أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

القران وفكرة الانسان العادي …

القران وفكرة الانسان العادي …

بقلم أ/احمد فرج 

إمرأة العزيز أحبت يوسف. لاحقته في كل طريق. لم تكبت مشاعرها بل أرادت أن تحل ضفائرها وأثوابها الملكية ولا تتساءل عن أي شيء سوى ملامسته.

أخطأت؟؟ اكيد طبعا وخطأ كبير جدا” خصوصا” لامرأة متزوجة ..ولكن يقول القرآن استغفري لذنبك.. سريعا. كي لا تتوقف الحياة عند خطأ وحيد.. و دون أن ينصب مشنقة تضمن لها الاعدام. بل تستمر معنا حتى نهاية الآيات ولا يصدر عليها القرآن حكما يصفها أنها امرأة لعوب تهوى الرذيلة.

ومن طرف خفي وجد لها مبررا.. فحكى قصة قد لا تكون ذات أثر كبير في الأحداث.. أحضرت النسوة اللاتي يذكروها بالسوء.. جلسن وأمسكن سكاكين الفاكهة.. دخل يوسف، ارتبكت النسوة ومررن شفرات السكاكين على أيديهن من جلاله وهيبته.

إذن ليست مشكلة امرأة العزيز وحدها.. ليس لأنها منحرفة أخلاقيا تهوى الإنحلال.. لا..انه يوسف عليه السلام يتجاوز القدرة على المقاومة، وباقي النساء قابلات للافتتان به ايضا”…والرسالة التي اراها واضحة هنا: الكل قابل للخطأ والقرآن يعذر امرأة “خاطئة”.

 

ويوسف النبي لا يتقمص دور الانسان السوبر مان. الأسطورة. الخارق.. بل يعلن ضعفه أمام غواية النساء. فيقول لربه، ( إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ).. أي أن هناك احتمال ان يستجيب يوسف النبي “يصبو” لما تدعوه النساء إليه..

لا تتربصوا للناس الأخطاء. ولا تعصفوا بحياة إنسان لمجرد الزلل.

الدين يكرس لفكرة الإنسان “العادي” حتى في صيغة النبوة. حتى الأنبياء قد يتعرضون للغواية واحتمالات الضعف والخطأ. وأنهم في الأخير يستمدون العون والهداية من الله العزيز.. وفي الاخير كانوا عظماء. فيصير نموذج العظمة “الانساني” قابلا للتحقق من بعدهم.

 

وفي السجن يخاطب رفاقه بكلمة، يا صاحبي.. ويكررها.. رغم أنهم لا يعبدون الله الواحد. في نظره هم كفار. لكنه يخاطبهم بعذوبة ورقة.. ثم.. ينتظر حتى يأتي الطعام ليأكلوا سويا. ويتعاون معهم ويخبرهم بتأويل الرؤيا.

يوسف النبي. يأكل مع أصحابه الكافرين بالله الواحد..

 

فيما بعد آتاه الله العلم. والحكم.. وعندما عرض نفسه على الملك قال، إني حفيظ عليم.. رجل مؤتمن على ثروات الوطن. ولديه العلم بالإدارة والانتاج والاستثمار..

ليس لأنه نبي ابن نبي. بل لأنه كفء.

لاحظ أن يوسف النبي، هنا، لا يقوم بوظائف دينية، بل بوظيفة دنيوية تهدف في المقام الأول لانقاذ البلد من الفقر والجوع والأزمة التي يتعرضون لها..

نبي الله وجد أن مسئوليته ذات طبيعة اقتصادية وإدارية. فاستخدم سلطانه لتحسين ظروف الناس.وتعاون مع ملك مصر، الذي قد يكون مختلف معه في العقيدة الدينية، من أجل انقاذ البلاد من الخطر الذي يتهددهم. لم يصنع خصومة دينية بينما هناك جائحة تتهدد البلاد.

 

القرآن لا يريدك تافها سطحيا شكلانيا تحاكم الأشياء على ظاهرها.. بل هناك غاية. موضوع كبير. فلا تنسحق للصغائر..

ونهاية السورة يخاطب الرسول، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).. الله كتب على الأرض التنوع والاختلاف.. بقاء الحق والباطل إلى قيام الساعة. لا ترهق نفسك. ليست قضيتك..

ثم يقول ( وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين).. يختصر الله الرسالة النبوية في كلمة “ذكر” .. تذكير وإيقاظ للقلوب والعقول والضمائر.. تلك هي وظيفة الرسول. وطبيعة الرسالة. وهذا هو موطنها الأول.

ويختم ( إن في قصصهم لعبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى)

أصحاب العقول هم المخاطبون بهذا الدين.. بعيدا عن التقليد والكهانة والاستعباد للخرافة والتغييب والتبعية العمياء. إنه يجعل للدنيا أسباب ثابتة. حقائق. منطق ندركه.. مقدمات ونتائج تتحقق..

ان الاسلام ببساطة هو دين الإنسان العادي.