أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

منزلة الصدق من الدين ” جزء 10″

منزلة الصدق من الدين ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع منزلة الصدق من الدين، ولا شك أن ظهور أثر الصدق في وجه الداعية وصوته يؤثر على المخاطب ويحمله على قبول القول واحترام ما يصدر من الداعية، إلا إذا كان أعمى القلب، ومهما يكن من أمر فإن الصدق ضروري لكل مسلم، وكذلك من الأمور المهمة في التربية، هى تربية الأولاد على الصدق، فلابد أن يتربى المسلمون جميعا على الصدق، لكن من الأشياء المهمة تربية الأولاد على الصدق، فالإسلام يوصي أن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها وقد ألفوها في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، وقد ورد عن عبد الله بن عامر قال “جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبد الله، تعال أعطيك.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أردت أن تعطيه؟ قالت أردت أن أعطيه ثمرا، قال أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة ” رواه أحمد، فهذه الحركة التي تفعلها بعض الأمهات تقبض يدها وتقول للولد تعال أعطيك، لو كانت يدها فارغة فهي كاذبة، وتكتب عليها كذبة، فانظر كيف يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآباء والأمهات أن ينشئوا أولادهم نشأة يقدسون فيها الصدق، ويتنزهون عن الكذب، ولو تجاوز الآباء والأمهات عن هذه الأمور وقالوا هذه توافه وهينة، فإن الأطفال سيكبرون وهم يعتبرون الكذب هينا وهو عند الله عظيم، أما الكذب فلا شك أنه جماع كل شر، والكذب هو أصل كل ذم وما ذاك إلا لسوء عواقبه وخبث نتائجه، وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال من الكذب الذي لا خير فيـه وأبعد بالبهاء عن الرجال.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم، كان يحارب الكذب محاربة شديدة، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة” وهكذا فإن عقوبة الكذاب شديدة بعد الموت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الرؤيا الصادقة التي رآها، وأخبر عنها لما سأل الملكين فقالا أما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم ينتقل إلى الجانب الآخر ويعملون به مثل ذلك، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق “رواه البخاري، فهذه عقوبته، وقال في رواية أخرى صلى الله عليه وسلم” رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة” رواه البخاري.

 

والشق عذاب الكذاب في البرزخ، لكن يوم الدين العذاب أشد وأنكى، وقال الحسن البصري عن هذه النوعية “خرج عندنا رجل في البصرة فقال لأكذبن كذبة يتحدث بها الوليد، قال الرجل فما رجعت إلى منزلي حتى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها” وهو الذي كذبها يقول ما رجعت إلى منزلي حتى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها، فهؤلاء الذين يروّجون الإشاعات، ويختلقون الأخبار، ويستغلون الوسائل المختلفة لنشرها، فتعم المجتمع لأنها تسمع بجميع الوسائل المسموعة، لا شك أن عذابهم يوم البرزخ أليم، وعذابهم يوم القيامة أشد ألما وأنكى وأخزى، ولا يقول الناس هؤلاء أعداء الله ينشرون الأكاذيب ويخونون الأمين ويزعمون أن فلانا صادق وهو خائن.

 

ويروجون الإشاعات، ويغيرون الواقع، ويتهمون الأبرياء، والناس يروج عليهم هذا الكذب، لأنهم ليس عندهم هذه الوسائل التي أمامهم، نقول رويدا سيأتي موعدهم عند الله، فإن الله عز وجل لا يضيع عنده حق وستكون عقوبة هؤلاء أليمة، ولما علم الصالحون خطورة الكذب وأنه ثلث النفاق، وأنه يهدي إلى الفجور، خافوه على أنفسهم، فعندما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال “إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش، وقد كان مني إليه شبه الوعد، وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق أشهدكم أني زوّجته” وكان الأئمة يستدلون بحركات الناس وأفعالهم وكلامهم على صدقهم، ولما خرج البخاري يطلب الحديث من رجل فرآه يشير إلى دابته برداء كأن فيه شعيرا وليس فيه شيء رجع وقال “لا آخذ الحديث عمن يكذب على البهائم”