أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

منزلة الصدق من الدين ” جزء 9″

منزلة الصدق من الدين ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع منزلة الصدق من الدين، فلو ذهب رجل إلى الكاهن وقال انظر لي فلانة هذه التي أنا مقدم على زواجي منها، اكشف لي المستقبل، اقرأ الكف والفنجان، اضرب بالودع، انظر لي فلانة هل هي خير أو شر في المستقبل، إلى غير ذلك، وذهب الكاهن وادعى النظر ثم قال له إنها خير لك في المستقبل فصدّق السائل الكاهن، فإذا صدّقه فقد كفر بالله تعالى ولا شك في ذلك، وكثير من الناس يأتون إلى الكهان لهذه الأسباب فيكفرون، وإن قال أنا أذهب وأجرب، آخذ كلامه وأجرب، فنقول مجرد ذهابك إليه حرام وإن فعلت فإنك لا تكفر، لكن لا تقبل لك صلاة الأربعين يوما، هذه هي العقوبة، وإن الكهان قد يصدقون ويأتيهم خبر موثوق، ثقة ثقة فكيف ذلك؟ فقد روى البخاري، عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت.

 

“سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الكهان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله، فإنهم يحدثونا بالشيء أحيانا يكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة” رواه البخاري، ويوضح هذا حديث آخر في صحيح البخاري، فيقول أبو هريرة رضى الله عنه “إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال ” إذا قضى الله الأمر في السماء بأمر معين، بقبض روح فلان، بمرض فلان، بشفاء فلان، بولد فلان، وولادة فلان، ونحو ذلك إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان مثل جر سلسلة على الصخر، يصدر أصواتا مخيفة.

 

فكذلك صوت أجنحة الملائكة الخاضعة لأوامر الله النازلة إليهم والتي لابد لهم من تنفيذها فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع الجن يركب بعضهم فوق بعض إلى السماء يسترقون السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض، ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها فأحرقه ” رواه البخاري، فأحرقه وما معه من الخبر، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيصل الخبر إلى الكاهن ويكون هذا فعلا خبر ثقة صحيح ومؤكد، لأنه مصدره من السماء عن طريق هؤلاء الجن المسترقين.

لكن هذا الكاهن يعمل هذا الخبر الواحد الصحيح وسيلة لكي يدخل الناس في الشرك ويوقعهم في الكفر، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء، أي أن الكاهن يقول سوف يحدث كذا يوم كذا، ويحدث كذا يوم كذا، وواحد من هذه الكذبات الكثيرة صدق، ومشكلة الناس أنهم لا يتذكرون إلا الصدق، وأما كذبات الكاهن الأخرى فلا يتذكرونها، يقولون فعلا فلان قال لنا يوم كذا سيحدث كذا وحدث فعلا، هذا رجل مجرب فعلا يعلم ما في الغيب فاذهبوا إليه، والله سبحانه وتعالى قادر على أن يحرق الجن مسترقي السمع قبل أن يصلوا إلى السماء أصلا، لكن الله عز وجل شاء أن يجعل هذا الحدث فتنة ليرى من يثبت على الدين والتوحيد ومن لا يثبت.

 

وإن من التصديق المحرّم، هو ما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه عن كعب بن عجرة قال ” قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، إذن، تصديقه هذا حرام ومن لم يغش أبوابهم ولم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض ” رواه أحمد والترمذي، والصدق نافع جدا في أشياء كثيرة فهو ينفع الداعية إلى الله تعالى، لأن الناس يتأثرون بالصادق ويرثر صدق الداعية في وجهه وصوته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يتحدث إلى أناس لا يعرفونه فيقولون والله ما هو بوجه كذاب ولا صوت كذاب.